روائع مختارة | روضة الدعاة | الدعاة.. أئمة وأعلام | الإمام المُزَني صاحب الشافعي.. وخال الطحاوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > الدعاة.. أئمة وأعلام > الإمام المُزَني صاحب الشافعي.. وخال الطحاوي


  الإمام المُزَني صاحب الشافعي.. وخال الطحاوي
     عدد مرات المشاهدة: 4405        عدد مرات الإرسال: 0

مقدمة:  البحث والترجمة في سيرة العلماء دروس وعظات، وأسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر، وقد قيض الله لكل زمان رجالا ينتفضون دفاعًا عن الحق وذودًا عن حياض الإسلام.

ورزقهم من علمه، وأضفى عليهم من نوره، ومن هؤلاء العالم الجليل والقدوة الصالحة في العلم والزهد والتواضع والورع، إمام الفقه و التفسير والعقيدة والسيرة النبوية والأصول والنحو، الذي انتفع بعلمه المسلمون في شتى أنحاء العالم الإسلامي. .

إنه الإمام والفقيه العالم أبو إبراهيم إسماعيل المزني، وحيث إن سيرة هذا الإمام الفقيه والعالم الجليل غنية بالعلم والتقوى لرب العالمين، والسير علي نهج خير المرسلين , تعتبر حافزاً إيمانياً للتأسي به واقتفاء آثاره والاستفادة من دروسه التي تزخر بها كتبه إلى يومنا هذا.

فقد حاولت عمل هذا البحث والترجمة بصفة مختصرة عن الإمام أبو إبراهيم إسماعيل المزني رحمه الله وذلك بعد أن ترجمت بتوفيق الله وفضلة لأخته الفقيهة في بحث سابق بعنوان " أخت الإمام المزني وأم الإمام الطحاوي " والله من وراء القصد.

اسمه وكنيته ونسبه: 

 هو الإمام العلامة، فقيه الملة، علم الزهاد، أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو بن إسحاق بن مسلم بن نهدلة بن عبد الله المزني المصري الشافعي , وكنيته أبو إبراهيم وهو ولده الأكبر..

 والمزني - بضم الميم وفتح الزاي وبعدها نون - نسبة إلي قبيلة مزينة العدنانية الكبيرة ذات التاريخ العريق في الجاهلية والإسلام، فالإمام الفقيه المزني ينتسب إلى قبيلة مزينة العدنانية، وهي من عمود النسب الشريف، نسب النبي صلى الله عليه وسلم إذ يلتقي معه في إلياس وهو جد لرسولنا الكريم.

وقد شرف الله قبيلة مزينة وأعزها بإعلاء دينه وبنصرة نبيه منذ فجر الإسلام، فمن أبنائها أكثر من 103 صحابي جليل، وقد أثنى عليها النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من موضع ودعا لها، ومن رجال هذه القبيلة قبل الإسلام الشاعر كعب بن زهير بن أبي سلمى، والفارس المشهور بشر بن المحتفر المزني، ومن نساء هذه القبيلة العريقة أيضا الشاعرة خنساء بنت زهير وغيرهم الكثير مما لا مجال لذكرهم . .

ومن مزينة أيضا الصحابي الجليل بلال بن الحارث أبو عبد الرحمن المزني - رضي الله عنه- الذي قدم على النبي الكريم علية أفضل الصلاة والتسليم مع أربعمائة من قومه مُزَيْنَة في رجب سنة خمس، فاهتزت المدينة فرحًا بهم، واستبشر بهم المسلمون، وقاتلوا معه في غزوة حنين، وأقطعه النبي صلى الله عليه وسلم العقيق، وكان يحمل لواء مزينة يوم فتح مكة ‏. ‏

وقد جاء في الموطأ عن أبي عبد الرحمن بلال بن الحارث المزني - رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى، ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه". رواه مالك في الموطأ والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

ومن مزينة أيضا الصحابي الجليل النعمان بن مقرن المزني - رضي الله عنه- وهو الذي شارك في غزوة الأحزاب مع قبيلته وحضر بيعة الرضوان , ونزل الكوفة , وشارك مع قبيلته في حروب الردة بجانب الصديق أبو بكر يوم تخلت العرب وارتدت بعد أن لحق المصطفي صلي الله علية وسلم بالرفيق الأعلى , وشارك في معركة القادسية وكان رسول سعد بن أبي وقاص إلى يزدجر , وولاه عمر علي كسكر , وهو قائد المسلمين في نهاوند , وهو الذي أجاب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- عندما قال له:  إني مستعملك، قائلا أما جابيا فلا، وأما غازيا فنعم.

وقد اشتهروا بحب الله ورسوله، والإنفاق في سبيل الله عز وجل، والتضحية من أجل دين الله سبحانه، وفيهم نزل قول الحق تبارك وتعالى: "ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول إلا إنها قربة لهم سيدخلهم الله في رحمته إن الله غفور رحيم" [التوبة: 99] , فرضوان الله عليهم أجمعين.

وإن كان الإمام المزني عربي الأصل والنسب فإنه مصري المولد والنشأة والممات , وصلة الرحم بين العرب وأهل مصر موصولة منذ فجر التاريخ، فمن مصر تزوج إبراهيم الخليل هاجر أم إسماعيل و تزوج يوسف من زليخا، ومنها أيضا أهدى المقوقس الرسول عليه الصلاة والسلام ماريا فأنجبت له إبراهيم.

 ولهذا أصبح أهل مصر أخوال عرب الحجاز فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ستفتح عليكم بعدى مصر فاستوصوا بقبطها خيرًا فإن لهم ذمة ورحمًا " قال ابن كثير رحمه الله:

والمراد بالرحم أنهم أخوال إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلام أمه هاجر القبطية وهو الذبيح على الصحيح وهو والد عرب الحجاز الذين منهم النبي صلى الله عليه وسلم وأخوال إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمه مارية القبطية من سني كورة أنصنا، وقد وضع عنهم معاوية الجزية إكرامًا لإبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم. تفسير ابن كثير.

مولده ونشأته: 

بالنسبة لمولده رضي الله عنه أفادت المصادر التاريخية أن الإمام إسماعيل المزني قد ولد في عام خمس وسبعين ومائة من الهجرة (175هـ) , وهو نفس العام الذي توفي فيه الإمام الليث بن سعد، وقد قال أبو الفوارس السندى كان المزني والربيع رضيعين بينهما ستة أشهر، يعني في المولد.

أما بالنسبة للمكان فقد ولد ونشأ رضي الله عنه في الفسطاط بأرض مصر , حيث ذكرت لنا كتب السيرة أن قبيلة مزينة العدنانية قد نزلت وقريش في خطة أهل الراية بالقرب من المسجد الجامع (جامع عمرو بن العاص رضي الله عنه) ، وذلك بعدما قدمت مع الفاتح عمرو بن العاص في عام 20 هـ.

وقد كان الإمام إسماعيل المزني يتردد هو وأخته الفقيهة والتي قدمنا لها من قبل كما أسلفنا علي المسجد الجامع للعبادة والطاعة وتلقي العلوم والمعارف , وفيه أيضا التقي بالإمام الشافعي رضي الله عنه، وأخذ الفقه هو وأخته الفقيهة عنه.

ورغم تطور الفسطاط بإنشاء مدينة العسكر التي يعد موقعها الحالي منطقة (زينهم) في مصر سنة (133 هـ - 750 م) إلا أنها كانت في البداية مقصورة على الجنود العباسيين، واستمرت كذلك حتى عام (201 هـ - 816 م) عندما تهافت الناس على البناء بالقرب من مقر الحكم ونمت المدينة حتى اتصلت بالفسطاط، وبعد ذلك أنشأت مدينة القطائع التي ابتناها أحمد بن طولون سنة (256 هـ - 869 م) .

عصر الإمام المزني: 

ولد الإمام المزني رحمه الله تعالى في أوائل عهد أبو جعفر هارون الرشيد العباسي (170- 193 هـ) ، وتوفى في منتصف عهد أبو العباس أحمد المعتمد على الله (256- 279 هـ) , ويذكر التاريخ لنا أن الخلافة العباسية استمرت في المشرق من سنة 132 إلى 656 للهجرة أي لمدة 524 سنة.

وبقي للعباسيين بعد ذلك الخلافة بمصر إلى سنة 922 للهجرة، وقد شهد الزمن الذي عاشه الإمام المزني رحمه الله تقلبا من الاستقرار إلي الاضطراب، ومن الازدهار العلمي والثقافي إلى الجمود والتقليد , فقد عاش في العصر العباسي الأول (132 إلى 232هـ) وهو عصر استقرار وازدهار سياسيا وعلميا والعصر العباسي الثاني (232 إلى 590هـ) وهو بداية الاضطرابات.

ومن الجدير بالذكر أن العصر العباسي الأول كان من أبهي العصور من حيث النهضة الثقافية والعلمية , فقد بدأ الاستقرار فيه وانتظم ميزان الأمة الاقتصادي، وتمثلت النهضة العلمية في حركة التصنيف وتنظيم العلوم الإسلامية والترجمة من اللغات الأجنبية , ومن أشهر المصنفين في هذا العصر مالك الذي ألف الموطأ، وابن إسحاق الذي كتب السيرة، وأبو حنيفة الذي صنف الفقه و الرأي.

كما تطورت العلوم في العصر العباسي الأول وانتقلت من مرحلة التلقين الشفوي إلى مرحلة التدوين والتوثيق في كتب وموسوعات، وكان هذا العصر زاخرا بفطاحل العلماء مثل أئمة الفقه الأربعة أبو حنيفة (150 للهجرة)، و مالك (179 للهجرة)، و الشافعي (204 للهجرة)، وابن حنبل (241 للهجرة) وظهرت مدرستان علميتان كبيرتان في الفقه الإسلامي:  هما مدرسة أهل الرأي في العراق، ومدرسة أهل الحديث في المدينة المنورة.

 كما عاش في هذا العصر أئمة النحو، ومنهم أئمة النحاة البصريين:  عيسى بن عمر الثقفي (149 للهجرة)، وأبو عمرو بن العلاء(154 للهجرة)، و الخليل بن احمد (175 للهجرة)، و الأخفش (177 للهجرة)، و سيبويه (180 للهجرة)، و يونس بن حبيب (182 للهجرة)، و من الأئمة الكوفيين أبو جعفر الرؤاسي، والكسائي، والفراء (208 للهجرة).

وقد نشطت في هذا العصر حركة ترجمة كتب العلوم و الآداب من اللغات الأخرى إلى اللغة العربية بتشجيع من المنصور , و لم يكتف المسلمون بمجرد الترجمة بل أبدعوا وأضافوا إلي العلوم المترجمة , وكان للمسلمين الدور الكبير والفضل الوفير في خدمة الثقافة العالمية.

فعن طريق معاهدهم وجامعاتهم وأبحاثهم وصلت هذه الدراسات إلى أوروبا، فترجمت مجموعات كبيرة من اللغة العربية إلى اللاتينية، وقد كان ذلك أساسا لثقافة أوروبا الحديثة، ومن أهم الأسباب التي أدت إلى النهضة الأوروبية.

وقد عاصر الإمام المزني رحمة الله جميع ولاة الدولة العباسية علي مصر ابتداء من موسى بن عيسى بن موسى (175هـ) إلى أول أمراء الدولة الطولونية أحمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية (254هـ / 270هـ) .

ورغم الاضطرابات والقلاقل التي عانت منها الخلافة العباسية في بغداد إلا أن مصر عاشت متنعمة باستقرار ورخاء وهدوء، فقد شهدت البلاد في معظم الأوقات نهضة عمرانية وصناعية وتجارية، كما كانت خزانة الأموال عامرة، وكان المجتمع المصري المسلم في ذلك الوقت يتمتع بجانب كبير من التدين والصلاح والتقوى، وذلك لقربه من القرون الفاضلة، ولتوفير أسباب الصلاح، فكان يهتم عامة الناس بالعلمز

وتقدير العلماء واحترامهم، وقيام العلماء بواجبهم في الإصلاح والأمر بالمعروف ونشر الفضيلة والإنكار على الطرق المنحرفة في الدين تفريطا وإفراط، كما كان لصلاح الأمراء وتشجيعهم للعلماء الدافع الكبير لعجلة الإصلاح والإرشاد في المجتمع آنذاك.

 تواضعه وورعه وعبادته: 

قال أبو عبد الرحمن السلمي:  أخبرنا محمد بن عبد الله بن شاذان، سمعت محمد بن علي الكتاني، وسمعت عمرو بن عثمان المكي، يقول:  ما رأيت أحدا من المتعبدين في كثرة من لقيت منهم أشد اجتهادا من المزني، ولا أدوم على العبادة منه.

وما رأيت أحدا أشد تعظيما للعلم وأهله منه، وكان من أشد الناس تضييقا على نفسه في الورع، وأوسعه في ذلك على الناس، وكان يقول:  أنا خُلُقٌ من أخلاق الشافعي.

وقيل:  إنه كان إذا فاتته الصلاة في جماعة صلى منفرداً خمساً وعشرين صلاة استدراكا لفضيلة الجماعة، مستنداً في ذلك إلى قوله صلى الله عليه وسلم صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم وحده بخمس وعشرين درجة.

لقد كان المزني إمام الشافعيين وأعرفهم بطريق الشافعي وفتاواه وما ينقل عنه، كان فقيهًا عالمًا راجح المعرفة، جليل القدر في النظر، عارفًا بوجه الكلام والجدل وحسن البيان، وقد صنف كتباً كثيرة، وكان في غاية من الورع وبلغ من احتياطه أنه كان يشرب في جميع فصول السنة من كوز نحاس، فقيل له في ذلك، فقال: بلغني أنهم يستعملون السرجين في الكيزان والنار لا تطهرها. .

وكان من الزهد على طريقة صعبة شديدة، ولم يكن أحد من أصحاب الشافعي يحدّث نفسه بالتقدّم عليه في شيء من الأشياء.

وكان الإمام المزني - رحمه الله- مجاب الدعوة، ذا زهد وتَأَلُّه، أخذ عنه خَلْقٌ من العلماء وبه انتشر مذهب الإمام الشافعي في الآفاق، وكان يُغَسِّل الموتى تعبدا واحتسابا، وهو القائل:  تَعَانَيْتُ غسل الموتى ليرِقَّ قلبي، فصار لي عادة، وهو الذي غسل الشافعي - رحمه اللهـ وقد حدث عن الشافعي، وعن علي بن معبد بن شداد.

ونعيم بن حماد وغيرهم، وهو قليل الرواية، ولكنه كان رأسا في الفقه، وقد دخل المزني على الشافعيـ رحمه اللهـ في مرضه الذي توفي فيه, فقال له: كيف أصبحت يا أبا عبد الله؟ فقال: أصبحت من الدنيا راحلا, وللإخوان مفارقا, ولسوء عملي ملاقيا, ولكأس المنيّة شاربا, وعلى الله تعالى واردا. .

أقول العلماء وثناؤهم عليه: 

 قال اليافعي:  الفقيه الإمام أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني المصري الشافعي، وكان زاهداً عابداً مجتهداً غوّاصاً على المعاني الدقيقة، اشتغل عليه خلق كثير، وقال الشافعي في صفة المزني:  ناصر مذهبي، وقال المصنف في الطبقات:  كان المزني زاهدا عالما مجتهدا مناظرا محجاجا غواصا على المعاني الدقيقة، وقال الشافعي عنه أيضا:  لو ناظر المزني الشيطان لقطعه.
 

وهذا قاله الشافعي والمزني في سن الحداثة، ثم عاش بعد موت الشافعي ستين سنة يقصد من الآفاق وتشد إليه الرحال، حتى صار كما قال أحمد بن صالح:  لو حلف رجل أنه لم ير كالمزني لكان صادقا، وذكروا من مناقبه في أنواع طرق الخير جملا نفيسة لا يحتمل هذا الموضع عشر معشارها، وهي مقتضى حاله وحال من صحب الشافعي، قال البيهقي:  ولما جرى للبويطي ما جرى كان القائم بالتدريس والتفقيه على مذهب الشافعي المزني، وأنشد المنصور الفقيه:  لم تر عيناي وتسمع أذني أحسن نظما من كتاب المزني، وأنشد أيضا في فضائل المختصر وذكر من فضائله شيئا كثيرا.

 قال البيهقي:  ولا نعلم كتابا صنف في الإسلام أعظم نفعا وأعم بركة وأكثر ثمرة من مختصره، قال:  وكيف لا يكون كذلك واعتقاده في دين الله تعالى، ثم اجتهاده في الله تعالى، ثم في جمع هذا الكتاب، ثم اعتقاد الشافعي في تصنيف الكتب على الجملة التي ذكرناها، رحمنا الله وإياهما، وجمعنا في جنته بفضله ورحمته.

وذكره ابن يونس في تاريخه وسماه، وجعل مكان اسم جده إسحاق مسلماً، ثم قال: صاحب الشافعي، وقال: كانت له عبادة وفضل، ثقة في الحديث، لا يختلف فيه حاذق من أهل الفقه، وكان أحد الزهاد في الدنيا وكان من خير خلق الله عز وجل، ومناقبه كثيرة.

وقال ابن أبي حاتم:  سمعت من المزني، وهو صدوق، وقال أبو سعيد بن يونس:  ثقة، كان يلزم الرِّباط.

تلاميذ الإمام المزني: 

أخذ عن الإمام المزني أعداد كبيرة من طلبة العلم، وكان من أبرزهم: الإمام أبي جعفر الأزدي الطحاوي:  جاء الإمام الطحاوي من الصعيد إلى مصر لطلب العلم، واشتغل به عند خاله أبي إبراهيم المزني الشافعي وهو من أجل تلاميذ الإمام الشافعي، فكتب عنه وكان قد سمع منه كتاب السنن، روايته عن الإمام الشافعي رضي الله عنه.

ثم انتقل من عنده وتفقه على مذهب أبي حنيفة رضي الله، ومن جلة تلامذته العلامة أبو القاسم عثمان بن بشار الأنماطي شيخ ابن سريج، وشيخ البصرة زكريا بن يحيى الساجي.

هذا وقد تفقه بالمزني خلق لا يحصون عدداً كأبي بكر الخلالي، وأبى سعيد الفريابي، وأبي يعقوب الاسفراييني، وأبي القاسم الأنماطي، وأبي محمد الأندلسي وغيرهم من أصحابنا.

وتردد اسمه في كل كتب المذهب حتى صار من أبرز أعلامه، وقد قال الذهبي وأيده الطحاوي ‏: ‏ حدثنا المزني سمعت الشافعي رضي الله عنه يقول‏:  ‏ دخل ابن عباس على عمرو بن العاص وهو مريض فقال‏: ‏ كيف أصبحت قال‏: ‏ أصبحت وقد أصلحت من دنياي قليلًا وأفسدت من ديني كثيرًا‏، فلو كان ما أصلحت هو ما أفسدت لفزت‏، ولو كان ينفعني أن أطلب لطلبت، ولو كان ينجيني أن أهرب لهربت‏، فعظني بموعظة أنتفع بها يا بن أخي فقال‏: ‏ هيهات يا أبا عبد الله‏! ‏ فقال‏: ‏ اللهم إن ابن عباس يقنطني من رحمتك فخذ مني حتى ترضى‏.

وقد حدث عنه إمام الأئمة أبو بكر بن خزيمة، وأبو الحسن بن جوصا، وأبو بكر بن زياد النيسابوري، وأبو جعفر الطحاوي، وأبو نعيم بن عدي، وعبد الرحمن بن أبي حاتم، وأبو الفوارس بن الصابوني، وخلق كثير من المشارقة والمغاربة.

كما وقد ورد أيضا " أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن الحنبلي غير مرة، أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي بن الحسين بن الحسن بن البُنِّ الأسدي سنة ثلاث وعشرين، أخبرنا جدي الحسين، أخبرنا علي بن محمد بن علي الشافعي سنة أربع وثمانين وأربع مائة، أخبرنا محمد بن الفضل الفراء بمصر، حدثنا أبو الفوارس أحمد بن محمد الصابوني سنة ثمان وأربعين، وثلاث مائة، أخبرنا المزني، حدثنا الشافعي، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- نهى عن الوِصَال. فقيل:  إنَّك تُواصِل؟ فقال: لسْتُ مثلكم إنِّي أُطْعَمُ وأُسْقَى.

وبالإسناد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ذَكر رمضان، فقال: لا تصوموا حتى تَرَوُا الهِلالَ، ولا تُفْطِرُوا حتى تَرَوْهُ. فإن غُمَّ عليكم فَاقْدُرُوا لَه. وبه أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- فَرَضَ زكاة الفِطْرِ من رمضان على الناس، صَاعًا من تَمْرٍ، أو صَاعًا من شَعِيرٍ على كلِّ حُرٍّ وعَبْدٍ، ذَكَرٍ أو أُنْثَى من المسلمين متفق عليها.

كتبه ومصنفاته: 

للإمام المزني رحمه الله مصنفات كثيرة، مهمة ومشهورة، منها:

1 - الجامع الكبير، الحاوي الكبير وهو شرح مختصر المزني

2 - الجامع الصغير.

3 - المنثور المبسوط.

 4 - المسائل المعتبرة.

5 - الترغيب في العلم.

6 - كتاب الوثائق.

7 - الدقائق والعقارب وسمي بذلك لصعوبته.

8 - نهاية الاختصار.

9 - المختصر الذي اشتهر باسمه "مختصر المزني" والذي سار في الناس سير الشمس في الآفاق، فبلغ من الشهرة أن المرأة عندما كانت تزف إلى زوجها كان لابد من وجود مختصر المزني في جهازها.

ولقد كثرت شروحه وتعددت، ومعظم شروحه، وهو يعتبر من الموسوعات الفقهية في المذهب والخلاف كالحاوي للماوردي والتعليقة لأبي الطيب الطبري، والنهاية لإمام الحرمين.

وقد حكى القاضي حسين عن الشيخ الصالح الإمام أبي زيد المروزي - رحمه الله - قال:  من تتبع المختصر حق تتبعه لا يخفى عليه شيء من مسائل الفقه، فإنه ما من مسألة من الأصول والفروع إلا وقد ذكرها تصريحا أو إشارة، وروى البيهقي عن أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة إمام الأئمة قال:  سمعت المزني يقول: مكثت في تأليف هذا الكتاب عشرين سنة، وألفته ثماني مرات وغيرته، وكنت كلما أردت تأليفه أصوم قبله ثلاثة أيام وأصلي كذا وكذا ركعة.

وقال أبو العباس أحمد بن سريج: يخرج مختصر المزني من الدنيا عذراء لم تفض، وهو أصل الكتب المصنفة في مذهب الشافعي رضي الله عنه، وعلى مثاله رتبوا ولكلامه فسروا وشرحوا، كما صنف الإمام المزني كتابا مفردا علي مذهبة هو لا علي مذهب الشافعي , كذا ذكره البندنيجي في تعليقه المسمي ب " الجامع" في آخر باب الصلاة.

نوادر الإمام المزيني مع الشافعي: 

لقد طالت ملازمة المزني للشافعي، كما طال تمرسه به، ولذلك كثرت أخبار الشافعي عنده، مما لا سبيل لحصره، ومن نوادر رواياته عن الشافعي: - قال: كنت يوما عند الشافعي أسأله عن مسائل بلسان أهل الكلام، قال: فجعل يسمع مني، وينظر إلي، ثم يجيبني عنها بأخصر جواب، فما اكتفيت فقال لي: يا بني أدلك عل ما هو خير لك من هذا؟ قلت: نعم، فقال: يا بني هذا علم إن أنت أصبت فيه لم تؤجر، وإن أخطأت فيه كفرت، فهل لك في علم إن أصبت فيه أجرت، وإن أخطأت لم تأثم، قلت: وما هو؟ قال: الفقه فلزمته، فتعلمت منه الفقه، ودرست عليه.

قال المزني: سمعت الشافعي يقول: ما رفعت أحداً فوق منزلته، إلا حط مني بمقدار ما رفعت منه.

وقال أيضا:  سمعت الشافعي يقول: من تعلم القرآن عظمت قيمته، ومن نظر في الفقه نبل قدره، ومن كتب الحديث قويت حجته، ومن نظر في اللغة رق طبعه، ومن نظر في الحساب جزل رأيه، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه.

قال المزني: وسمعت الشافعي يقول: أظلم الظالمين لنفسه من تواضع لمن لا يكرمه، ورغب في مودة من لا ينفعه.

وجاء عن الإمام إسماعيل بن إبراهيم المزني أنه رأى شيخه الإمام الشافعي في المنام فسأله كيف فعل الله بك؟ ؟ فقال الإمام الشافعي:  غفر لي وأمرني أن أساق إلى الجنة بعزة واحترام، وذلك كله لصلاة على النبي كنت أقولها. . فسأله الإمام المزني وما هي؟ ؟ فقال:  كنت أقول اللهم صل على محمد كلما ذكره الذاكرون , اللهم صل على محمد كلما غفل عن ذكره الغافلون. وأقول سبحان الله يصلي الإمام الشافعي اليوم وهو ميت فينال ثواب آلاف من البشر إذا ذكروا رسول الله.

اجتهاد الإمام المزني: 

لقد كان المزني من كبار مجتهدي المذهب، بل كان صاحب مذهب، والقول الفصل في أقوال المزني وتخريجاته، ما قاله إمام الحرمين في "النهاية " قال: والذي أراه أن يلحق مذهبه في جميع المسائل بالمذهب، فإنه ما انحاز عن الشافعي في أصل يتعلق الكلام فيه بقاطع، وإذا لم يفارق الشافعي في نصوصه، فتخريجاته خارجة على قاعدة إمامه، وإن كان لتخريج مخرج التحاق بالمذهب، فأولاها تخريج المزني لعلوا منصبه، وتلقيه أصول الشافعي.

هذا بالنسبة لتخريجاته, وأما بالنسبة لأقواله المطلقة فتختلف باختلاف مكانها وحالها من الموافقة والمخالفة للإمام.

فما كان منها في مختصره المشهور، فهي ملتحقة بالمذهب لا محالة، لأنه أخذها من كلام الشافعي، كما أشار إلى ذلك في المقدمة حيث قال: "اختصرت هذا من علم الشافعي، ومن معنى قوله ".
وأما ما كان منها في غير المختصر، من مصنفاته الأخرى، فقد قال ابن السبكي: هي في موضع توقف، وهو في مختصره المسمى " نهاية الاختصار" يصرح بمخالفة الشافعي في مواضع، فتلك لا تعد من المذهب قطعاً.

وقال إمام الحرمين:  وإذا تفرد المزني برأي فهو صاحب مذهب. والخلاصة، أن ما كان من أقواله موافقاً لأقوال الإمام، وجارياً على قواعده فهو من المذهب لا محالة، وإن كان رأيا له مخالفاً به قول الإمام وقواعده، فهذا من مذهبه، فقد كان كما قال إمام الحرمين صاحب مذهب، إلا أنه رغم هذا لم يخرج عن المذهب خروج ابن جرير، وابن خزيمة، وابن المنذر، وابن نصر.

لكنه في نفس الوقت لم يتقيد تقيد العراقيين والخراسانيين من أصحابنا، كما قال ابن السبكي: وأما المزني، وبعده ابن سريج فبين الدرجتين، لم يخرجوا خروج المحمدين، ولم يتقيدوا بقيد العراقيين والخراسانيين.

وقد سُئلَ الإمام أبو إبراهيم المُزَني رحمه الله، فقيل له:  ما تقول في الرقص على الطار والشبّابة؟ فقال:  هذا لا يجوز في الدين ن فقالوا أَمَا جوّزه الإمام الشافعي ؟ فأنشد رحمه الله تعالى: 

حاشا الإمامَ الشافعي النّبيه   أن يرتقي غير مـ عاني نبيه

أو يتركَ السنّةَ في نُسـ كه   أو يبتَدِعَ في الدِّين ما ليس فيه

أو يبتدع طـ اراً وشـ بابة      لناسـ ك فـ ي الدِّين يقتديه

.. . . . . . . . . . .

وفاته رحمة الله عليه: 

لقد لبى الإمام المزني نداء ربه لست بقين من شهر رمضان سنة أربع وستين ومائتين (٢٦٤هـ) بأرض الكنانة مصر، عن عمر يناهز تسعاً وثمانين سنة، ودفن يوم الخميس آخر شهر ربيع الأول بالقرب من تربة صاحبة الإمام الشافعي، رحمة الله عليه، بالقرافة الصغرى بسفح المقطم ولازال قبره هناك.، وصلى عليه الربيع بن سليمان المؤذن المرادي.

 المصادر والمراجع: 

ـ فتوح مصر وأخبارها لابن عبد الحكم

 - وفيات الأعيان

ـ مرآة الجنان

ـ طبقات الشافعية

ـ العبر

ـ حسن المحاضرة

ـ الاجتهاد وطبقات مجتهدي الشافعية للمؤلف: د. محمد حسن هيتو

ـ فتح الباري للحافظ ابن حجر

ـ الشافعي حياته وعصره - آراؤه وفقهه:  للمؤلف أبو زهرة محمد

ـ الإمام الشافعي:  للمؤلف البوهي محمد لبيب

ـ المدخل لابن الحاج

ـ سير أعلام النبلاء

ـ طبقات الشافعية

ـ طبقات الشافعية الكبرى

ـ طبقات الفقهاء

ـ معجم المؤلفين

ـ معانى الآثار

ـ وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان

- تراجم سلسلة الجبال لمن تحدث عن خير الرجال (صلى الله عليه وسلم) ، ابن زولاق في تاريخه الصغير

 المصدر: موقع نافذة مصر